كثيراً ما ارتبطت في ذاكرتي أسماء وأشكال لا أعرف عنهم سوى أنهم من وجوه البلد الثقافية. ولطالماأبهرني هذا النوع من الأشخاص والذي يفضل المجتمع تسميتهم عادةً بالصفوة أو النخبة وهم مجموعة من المشاهير والمبدعين وأصدقائهم المقربين.
منهم من متطفلين أو وصوليين أو أغنياء و ذوي سلطة والذين يعيشون في علاقات تبادلية مع هذا المجتمع
حيث يقدم الفريق الأول الشكل الاجتماعي المطلوب للفريق الثاني والتسلية والأحاديث الممتعة وبعض المعرفة, هؤلاء الذين لطالما أحبوا العيش ضمن هذا الاطار الاجتماعي , والذي يكوّن جزءاً من الصورة التي يحبون من خلالها تقديم أنفسهم للآخرين حيث يشكل هذا الاجتماع بين الشخصيات السابقة حالة اجتماعية مشعة لمن يراها من بعيد, والتي سرعانما تختفي لمجرد الدنو منها, لأنك إما ستعيش حالة من الانبهار بهذا الجو الثقافي الإدعائي أو أنك ستعرف الحقيقة التي ستكون قاسية عليك , والتي ستعيد إليك ثقتك بنفسك وتهز ثقتك بالآخر...

ومن جملة ما أذكره من المواقف التي فتحت لي عيناي منذ سنوات قليلة إحدى المناسبات الثقافية وكانت المناسبة قد ضمت عدداً هائلاً من "الصفوة"

وما أدهشني يومها هو الأسلوب الذي كانوا يتعاملن فيه مع بعضهم ومع الحدث, حيث لاحظت استخفافهم بكل ما حولهم حتى ببعضهم البعض لدرجة أن مضيف الحفل اضطر لطلب الهدوء أكثر من مرة من هؤلاء" المثقفين " دون جدوى...

هؤلاء هم نفسهم من كانوا يرتادون المقاهي الشعبية , ويطلقون الشعارات الثورية, ويناقشون هموم الطبقة الكادحة,
تغيّر بهم الزمن اليوم ,فلم يعد أحدهم يذكر طعم شاي"الخمير" ولا كرسي الخيزران الذي تمزّق جراء جلوسهم عليه دون أن ينتبهوا والرصيف الذي مشوا عليه طويلاً لأنهم لم يكونوا قادرين على دفع ثمن توصيلة...هؤلاء الذين كانوا في يوم من الأيام صغار كسبة قلبهم الزمان ليغدو ...كبار الكذبة....

أشكر الظروف التي جمعتني بهم عن قرب,لأكتشف حقاً أن أهمية الانسان وثقافته لا علاقة لهما بمن يعاشر أو يعرف بل بمن يكون هو بحد ذاته....